مدير عام مؤسسة التأمينات الاجتماعية في لقاء خاص للأزمنة

مدير عام مؤسسة التأمينات الاجتماعية في لقاء خاص للأزمنة
30% نسبة التهرُّب التأميني في سورية
هناك من يشكك بدور المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وبأهمية وجودها وضرورته، رغم كل ما يشكله القانون رقم 78 لعام 2001 المعدل لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 من خطوة هامة على طريق تحسين أوضاع العاملين الاقتصادية والاجتماعية، فقد جعل هذا القانون من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المرجع التأميني الوحيد لجميع العاملين في سورية، كما سمح باستثمار أموالها معززاً بذلك من دورها لتصبح مؤسسة ذات وظيفة اقتصادية واجتماعية، وتخرج عن دائرة كونها مؤسسة محاسبية.
وبالعودة إلى مفهوم التشكيك الذي يتبناه البعض في غياب دور المظلة التأمينية عن بعض الشركات والمعامل الخاصة التي تتهرب من الالتزام التأميني على عمالها حيث تغيب المظلة التأمينية عن قسم كبير من العاملين في القطاع الخاص، وذلك لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بفساد بعض المفتشين ومنها ما يتعلق بجهل العاملين أنفسهم بالقوانين التأمينية إضافة إلى محاولة أصحاب العمل إبعاد عمّالهم عن العين الرقابية التأمينية.
وبين براءة الأجهزة التفتيشية التأمينية من الفساد ومحاولات أصحاب العمل الهروب من الضريبة التأمينية حسب اعتقادهم؛ يبقى المستقبل الوظيفي لعدد لا يستهان به من عمال القطاع الخاص دون أي حماية تأمينية بانتظار المزيد من القرارات التي من شأنها تفعيل دور الرقابة وزيادة الكادر التفتيشي للوصول إلى العمال في أي مكان على امتداد مساحة القطر.
وفي لقاء اتسم بالشفافية مع السيد خلف العبد الله المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية تم فيه تسليط الضوء على أهمية الدور الذي تقوم به المؤسسة لتوسيع المظلة التأمينية في سورية وكافة الخطوات والإجراءات التي تمت في إطار تطوير آليات العمل والنهوض بالواقع التأميني واستثمار أموالها بما يخدم أهدافها وتوجهاتها المستقبلية.
في ظل القانون الجديد؟
العبد الله وفي بداية حديثه أشار إلى أن القانون 78 لعام 2001 منح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية صفة المرجعية التأمينية الوحيدة في الدولة والقطاع الخاص والمشترك والتعاوني، خاصة أنه جاء متلائماً مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن في هذه المرحلة تحديداً التي تتطلب عملاً دائماً لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين وإيجاد فرص عمل جديدة يمكن من خلالها تجاوز مطب البطالة الذي يعيق عجلة التنمية والنمو الاقتصادي.
وأضاف: ليس غريباً أن يكون هناك حزمة جديدة من القوانين التأمينية التي تعد دعامة أساسية من دعائم نظام الحماية الاجتماعية التي توفر الاطمئنان وتضمن الاستقرار للعاملين المؤمن عليهم وأسرهم تطبيقاً لمبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي وتلزم صاحب العمل بتأدية الاشتراكات المستحقة عليه.
ظاهرة التهرّب التأميني
وفيما يتعلق بظاهرة التهرب التأميني حدد العبد الله 30% كنسبة للتهرب في سورية، وذلك في ظل قناعة قسم كبير من أصحاب العمل بهذا المبدأ باعتبارها ضريبة يتهرب منها هؤلاء، رغم وجود العديد من القوانين والأنظمة ولاسيما قانون جباية الأموال لتحصيل هذه الاشتراكات، ومع ذلك هناك عدد من أصحاب العمل لا يزالون يتهربون من تسجيل عمالهم في التأمينات بسبب فهمهم الخاطئ.
وقد وضعت المؤسسة عدة حلول لمواجهة هذه الظاهرة وذلك من خلال تشكيل لجنة خاصة مركزية تفتيشية في كافة محافظات القطر مهمتها القيام بزيارات ميدانية لأصحاب الأعمال، وكان لهذه الزيارات نتائجها المهمة والإيجابية وتحيداً على صعيد تقديم الفهم الصحيح للاشتراك التأميني الذي يُدفع مقابل حصول صاحب العمل على منفعة شخصية، وفي المقابل يُعفى من أي التزام مالي تجاه عامله المؤمّن عليه، فالتأمينات تمنح عمال صاحب العمل معاش الشيخوخة عند توفر الشروط اللازمة وتعوض العامل المصاب في حال كانت نسبة العجز الناشئ عن الإصابة أقل من 35% تعويض الدفعة الواحدة أو يمنح معاش العجز الجزئي أو معاش العجز الكامل إذا كانت نسبة العجز لديه 35% فأكثر، والتأمينات تمنح العامل تعويض الدفعة الواحدة إذا انتهت خدمته ولم تتوفر له شروط استحقاق المعاش إضافة إلى معاش وفاة الإصابة والوفاة الطبيعية والعجز الطبيعي، كل هذه الأعباء تُرفع عن كاهل صاحب العمل المشترك وتلتزم بها التأمينات الاجتماعية.
ولفت مدير المؤسسة إلى وجود اتفاق مع حاكم مصرف سورية المركزي يتضمن التعميم على البنوك الخاصة والعامة عدم إعطاء أي قرض إلا بعد الأخذ بعين الاعتبار عدد المسجلين في التأمينات الاجتماعية من العمال.
تفاضلية الاشتراكات؟
وحول الاشتراكات التأمينية أكد العبد الله أنه ليس ضدّ تخفيض الاشتراكات التأمينية التي يطالب بها أرباب العمل ولكن ذلك سيكون بكل تأكيد على حساب المزايا علماً أن الاشتراكات في سورية بنسبها الدنيا وبمزايا عالية.
وأشار إلى أنه عند مقارنة الاشتراك التأميني في سورية بمثيله بالدول الأخرى تتكشف حقائق عديدة تنطوي في إطار الإيجابية التأمينية التي تحقق العدالة من خلال وجود ميزات إضافية لا تتوفر في معظم أنظمة الضمان الاجتماعي في العالم، سواء كانت من ناحية منح التعويض أو المعاش أو توريث معاش المرأة العاملة للورثة أو اعتبار الإصابات القلبية والدماغية أو غيرها، وفي الوقت الذي يطالب به الآن أصحاب العمل في سورية بتخفيض نسبة الاشتراك التأميني من 24% إلى 10% مازالت في الكويت 25% وفي اليمن 24% وفي مصر 33% وفي ليبيا 44% وفي فرنسا 49% وفي أستراليا 42% وفي إيطاليا 39% وفي رومانيا 55% وفي اليونان 35% وفي هنغاريا 45% وفي ألبانيا 49%.
واقترح العبد الله أن تكون هناك شرائح؛ حيث الشريحة الأولى بنسبة 14% مع مزايا اختيارية وإلزامية لكل العاملين والثانية من 14% إلى 18% وهي اختيارية.
الفساد في كل مكان؟
لم يغفل العبد الله ذلك الحديث المتواصل عن فساد جهاز التفتيش في مؤسسة التأمينات، إلا أنه أكد على أن هذه الحالة فردية مشيراً إلى الجهود المبذولة للقضاء على هذه المظاهر السلبية في التفتيش الذي يحتاج إلى الضمير والأخلاق وأن يتحلى المفتشون بالوطنية والغيرية على المصلحة العامة، كونهم مؤتمنين على مهمة تهمُّ شريحة واسعة من العمال. وأكد العبد لله على التشدد في المحاسبة لأي مفتش يسيء إلى الأمانة وهذا موضوع يتابَع، وقد تم إعفاء وفصل العديد من المفتشين في محافظات مختلفة.
ولفت العبد الله إلى أن القانون أعطى صفة الضابطة العدلية للمفتش التأميني حيث نصت المادة 107 من قانون التأمينات الاجتماعية على أن يكون لمفتشي المؤسسة ورؤسائهم أو لمنتدب من موظفيها للقيام بأعمال التفتيش صفة الضابطة العدلية فيما يختص بمخالفة أحكام هذا القانون والقرارات المرفقة له، ولهم سبيل ذلك الحق في دخول محال العمل في مواعيد العمل المعتادة لإجراء التفتيش اللازم والاطلاع على السجلات والمستندات المتعلقة بتنفيذ هذا القانون، ويحلّف المفتشون ورؤساؤهم والموظفون المنتدبون عامل التفتيش اليمين أمام المحكمة الابتدائية في منطقة تعييهم مرة واحدة قبل المباشرة بوظيفتهم، مقسمين أن يقوموا بمهام عملهم بأمانة وإخلاص وألا يفشوا سراً من أسرار المهنة أو أي اختراع صناعي اطلعوا عليه بحكم وظيفتهم حتى بعد انفصالهم عنها، ويحمل كل واحد منهم بطاقة تثبت صفته.
وأشار إلى تفاقم مشكلة التهرب التأميني كظاهرة يلجأ إليها أصحاب العمل الذين يرون في عدم الاشتراك بالتأمين طريقاً آمناً يوفرون من خلاله أموالاً غير مرغمين على تسديدها..
وأضاف لقد تزايدت هذه الظاهرة مع تزايد نشاط القطاع الخاص في سورية حيث لا يزال ضعف الوعي التأميني هو المسيطر على عقلية أرباب العمل الجدد كأسلافهم من أرباب العمل المعتّقين في الصناعة المحظية بالحماية. إذ يعتبر هؤلاء أن الاشتراك في التأمينات هو ضريبة يمكن التهرب منها بسهولة أثناء زيارة المفتش التأميني للمنشأة.
خطوات جديدة لاستثمار أموال التأمينات
وفي مجال استثمار أموال المؤسسة أكد العبد الله أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية في إطار استثمار أموالها تتابع استكمال كافة الإجراءات اللازمة لإتمام عملية الاستثمار وفق القانون 78 لعام 2001 الذي يسمح لأول مرة لمؤسسة التأمينات باستثمار50 % من فائض أموالها في شراء عقارات في المحافظات لبناء مشروعات سكنية وخدمية، كما اشتركت المؤسسة في تأسيس عدد من المصارف وشراء أسهم في مصارف أخرى استناداً إلى نظام الاستثمار في المؤسسة الذي يسمح لها بالإقراض والمساهمة في تأسيس المصارف والشركات، وبعد دخول المصارف الخاصة والمصارف الإسلامية إلى السوق المصرفية في سورية والتي بدأت بإجراءات التأسيس قامت المؤسسة أيضاً بالاكتتاب على 9690 سهماً بقيمة 500 ل.س للسهم الواحد في البنك الدولي الإسلامي وبرأسمال خمسة مليارات ليرة موزعة على عشرة ملايين سهم. بالإضافة إلى اشتراك المؤسسة بتأسيس المصرف الدولي المحدث في سورية وهو قيد التأسيس ويقدر رأس المال المدفوع فيه بمئتين وخمسين مليون دولار نسبة التأمينات فيه 10- 15% في التأسيس بشرط أن تكون المؤسسة في سورية مؤسساً رئيسياً للمصرف.
وشاركت المؤسسة في تأسيس بنك قطر الوطني وهو الأقوى في المنطقة، ومساهمة المؤسسة كانت الأكبر في سورية إذ وصلت إلى10% و5% حصة باقي المصارف الأخرى في سورية؛ خاصة وأن التأمينات تعد من المؤسسين للمصرف من أصل 100مليون دولار والذي سنشهد انطلاقته خلال الأشهر القادمة وهناك 20 فرعاً له في عام 2010 و20 أخرى في عام 2011.
وأضاف العبد الله: وثمة مشاركة في تأسيس مصرف خليجي مشترك مع بحرانيين وكويتيين وإماراتيين بنسبة 15% وبرأسمال 500 مليون دولار وهو قيد التأسيس لهذا العام.
وعلى صعيد المشاريع الاستثمارية ساهمت المؤسسة بنسبة في مصفاة دير الزور وبنسبة 5% تقريباً من رأسمالها أي حوالي 5 مليارات ل.س.كما وجهت المؤسسة لكافة فروعها في المحافظات بالبحث عن مشروعات سياحية وعن مواقع مناسبة لإنشاء محطات وقود بنماذج عالمية واستراحات في جميع المحافظات.
ولعل الخطوة الأبرز هو قرار المؤسسة بشراء بعض العقارات لاستثمارها سكنياً وأهمها العقار في منطقة ساروجة لاستثماره كفندق مؤلف من 12 طابقاً بالإضافة إلى شراء بعض العقارات في المحافظات لإقامة مشروعات استثمارية عليها، وتم شراء أرض من الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية بحوالي 42 دونماً.
متابعات مستمرة
خلف العبد الله مدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية نائب رئيس مجلس إدارة بنك قطر الوطني أكد على أن ديون المؤسسة على الجهات العامة مُتابعة بشكل مستمر مع الجهات المختصة، وقد وجهت رئاسة مجلس الوزراء في اجتماع خاص بالتأمينات الاجتماعية كافة الجهات لإجراء المطابقات وتسديد الديون، كما عملت المؤسسة على توجيه فروعها لإجراء المطابقات مع مختلف الجهات.
ولفت العبد لله إلى تجاوب الجهات في موضوع تسديد الديون، وقد تم تشكيل لجنة من رئاسة مجلس الوزراء لمتابعة ودراسة هذه الديون وإيجاد الحل والطريقة المثلى للتسديد وقد شكلت اللجنة من وزارة العمل ووزارة المالية وجهاز الرقابة المالية.
مؤشرات وأرقام
مليارات الليرات السورية والعائدة للمؤسسة دخلت جمّادة الديون المستحقة على الجهات الأخرى وما يثير الاستغراب والدهشة ضخامة المبالغ التي بلغت المليارات حيث تقدر الديون المترتبة وعلى وزارة التعليم العالي 792.042.137 أما وزارة المالية فيقدر المبلغ 1.123.227.029 وعلى وزارة العدل 418.331.163ل.س وعلى وزارة الري 4.618.172.205ل.س ووزارة الزراعة 5.782.330.329 ل.س وعلى وزارة السياحة 1.106.079.896 ل.س وعلى وزارة الإدارة المحلية 3.314.675.418 ل.س وعلى وزارة الصحة 7.829.308.168 ل.س وعلى وزارة الصناعة 1.059.197.578 ل.س والرقم الأكبر على وزارة التربية التي تقدر ديونها بحوالي 30 مليار ل.س وعلى وزارات أخرى 5.363.609.401 و514.662.317 ل.س.
كلمة لها معنى
باختصار شديد لا يمكن تحت أي ظرف تجاهل أهمية الدور الذي تقوم به التأمينات الاجتماعية في حماية الحقوق العمالية وصيانة النظم الاجتماعية داخل قطاعي العمل الخاص والعام، وبالرغم من كل ما يقال أو يكتب حول الأخطاء المرتكبة من بعض المفتشين والانتقادات الموجهة لأساليب استثمار المؤسسة لأموالها؛ إلا أن ذلك لا يلغي ما حققته المؤسسة خلال السنوات الماضية من خطوات إيجابية على كافة الأصعدة وهذا يعني استمرارها بتقديم أفضل الخدمات التأمينية للعمال الذين يشكلون الرصيد الأهم لدفع عجلة التنمية وبناء الوطن.